الجمعة، 3 نوفمبر 2017

ملخص بحث: التصورات الشعبية للدائرة كرمز فى مجتمعين متمايزين : مصر والمغرب

تأليف
الأستاذة الدكتورة / منال عبد المنعم جاد الله
أستاذ  الأنثروبولوجيا ، ومدير معهد دراسات البحر المتوسط بكلية الآداب -جامعة الإسكندرية
نشر في المجلة الاجتماعية القومية ، المجلد الحادي والثلاثين العدد الثالث، سبتمبر 1994



Abstract

FOLK CONCEPTS OF THE CIRCLE AS A SYMBOL IN DIFFERENT SOCIETIES

Manal Gadallah

It is an almost generally accepted idea that the circle is the most perfect shape, and that roundness is the most agreeable and most comfortable form. One encounters this idea in a number of the cultures and societies studied by historians of religion as well as by anthropologists. The concept of “ L éternel retour” which has become an established notion and term in anthropological literature and more particularly in writings dealing with classical, and to a less degree primitive cultures and ceremonial performance, is derived from the circular movements, round shapes and the recurring physical phenomena and critical events in the life of individuals and societies. The Universe with its enormous numbers of planets and other heavenly bodies have in the popular mind round shapes and move perpetually around circular orbit thus causing alternate differences between day and night as well as between the different seasons. All natural and environment fluctuations take place at well-defined times in a regular cyclical order. The life cycle of the individual from birth to death then resurrection and life in the here-after is a perfect example of the circular arrangement of events of life. In many of the so-called primitive societies, villages, kraals, huts and meeting places are erected and distributed in a circular arrangement. In many ritualistic and religious ceremonies the performers are arranged in a circle so as to face each other as a symbol of integrity and direct communication. The Zikr which is practiced in Islamic societies by certain religious groups is a good example of the symbolic integrity and solidarity of the circle. In short the circle is generally regarded as a symbol of unity, perfection, perpetual movement and eternity in a large of societies and cultures.

This article endeavors to explain the symbolic significance of the circle in ordinary daily life and religious activities in both Egypt and Morocco. The study is based on ethnographic data obtained during field research in both countries.


 لقد خلق الله سبحانه كل شئ فى الكون يدور أرض وسماء وما بينهما من كائنات الكل فى حركة دائرية مستمرة، ولولا هذا الدوران بنظام محكم دقيق من صنع الخالق ما كان للحياة وجود. والانسان وكافة المخلوقات الحية تدور واذا حل أجلها وطوها الثرى كانت لها بين حبيباته دورات مع عناصر الارض والماء والهواء .... فأساس الحياة دورة تتبعها دورات، وهذه الدورات المتتابعة تحدث بيننا وحولنا دون أن يدرى لكثير منا كيف تحدث، فجمود الجماد شئ ظاهرى والواقع أن المادة الساكنة فيه تموج بالحركة والطاقات وتزخر بالنظم السابحة فى افلاكها، ودراسى هذه الدورات يعلمون مظاهر روعتها ودقة نظمها، ويدركون طبيعة حركتها فى السماء والأرض، وكأنها عجلة ضخمة متوازنة فى سيرها منتظمة فى دورانها(1). فالكون كروى والاجرام السماوية كروية بل الارض شبة كروية.
ووحدة البناء فى كل الأكوان هى الذرة فأجسامنا من ذرات والماء والهواء والأرض والجبال وما إلى ذلك من المخلوقات أساس بناءها ذرات، ولكى تكون هناك أرض وسماء وكائنات حية وجماد وماء وهواء ، كان لابد أن تحدث فى ذراتـها دورات حتى تبدو كمـا نراها(2).
والذرة بنيت على الأساس نفسه الذى بنيت عليه السماوات فهى النواة التى تدور وتدور حولها الاليكترونات – وهى أصل كا ماهو أكبر منها – ومثلها كمثل الشمس هى المركز أو النواة التى تدور حولها الكواكب بما فيها ، واذا سكنت هذه الحركة وتوقف دورانها لاندثرت الحياة فى الأرض والسمـاء بسـبب جاذبـــية النواة  
وكما تدور الذرات فى أفلاكها، وتدور المخلوقات الحية بخلاياها، وتدور الطاقات فى مخلوقاتها، وتدور عجلة الحياة، كان لابد من دورة أخرى تتم فى الهواءحتى تكتمل مظاهر الحياة على الأرض فجزيئات الهواء حولنا  لاتكف عن الحركة حتى ولو كانت فى حجرة مغلقة، فالهواء يدور حول الأرض و نحس به أحيانا كنسمات جميلة، وأحيانا يشتد قوته فيكون أعاصير فى شكل دوامات هوائية مدمرة ومن ثم فعوامل التعرية تؤثر فى الأشياء دائريا وعلى سبيل المثال ذرات الرمال والزلط.
    والنبات يأخذ شكلا دائريا وذلك واضح فى الأشجار وفروعها وجذورها وثمارها اذ لاتوجد حبة أو ثمرة لا تنتسب إلى الشكل الدائرى.
    واذا نظرنا من الناحية الظاهرية بصورة تشريحية لجسم الانسان نجد أن معظم الأعضاء تأخذ الشكل الدائرى كالقلب والمخ والجمجمة والعين والأذن والفم والرئتين والمعدة والكبد والأوردة والشرايين والأمعاء والعضلات وما إلى ذلك من الأعضاء الأخرى، وذلك بالاضافة إلى أن وظائف هذه الأعضاء تتم فى دورات كالدورة الدموية والدورة التنفسية والدورة الهضمية والمائية والدورة العصبية.
    كما أن حياة الانسان وكل كائن حى بصفة عامة تمر بدورة ، ويبين ذلك فى جلاء فى قول الخالق جل شأنه فى كتابه الكريم "الله الذى خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعض قوة ضعفا وشيبة"  .
   فدورة حياة الفرد هى عبارة عن سلسلة من المراحل تنتقل من مرحلة لأخرى، وهى بذلك تتشابه مع الكون والطبيعة، وهذا يتفق مع نظرة سبنسر للمماثلة بين المجتمع والكائن العضوى من حيث تصوره للمجتمع كجزء داخل فى تركيب النظام الطبيعى للكون(6).
    ولن نتخذ من المماثلة أساساً للبرهنة عليها واظهارها بشتى الطرق التى نسترشد بها فى بعض التصورات التى تحتاج إلى تفسير وايضاح. فالمجتمع يتعرض لظروف ايكولوجية تعرف بالدورة الأيكولوجية السنوية وهى ديناميكية تنعكس على مناشط الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتتكرر هذه الظروف سنويا ومعها مناشط الحياة المختلفة كما هو فى الاسكيمو وعند النوير جنوب السودان وفى الصحراء الغربية بمصر ونتحدث هنا كمثال عن دراسة مارسيل موس عن دورة الفصول عند الاسكيمو باعتبارها أول وأهم دراسة فى هذا الصدد وقد أهتم موس بتبيين التعارض الشديد الواضح بين فصلى الشتاء والصيف ففى الشتاء تتجمد الانهار وكل مسطحات الماء وكذلك مساحات كبيرة من البحر نفسه ويظهر فوقها الجليد... وفى الصيف يبدأ الجليد فى الذوبان وتنمو محله كثير من الأعشاب والطحالب.
    و لقد لاحظ موس أن ذوبان الجليد يؤدى الى زيادة صعوبة الانتقال من مكان لآخر على عكس ما قد يتبادر إلى الأذهان لأول وهلة ،وذلك بعكس الحال فى وقت الشتاء حيث يمكن الانزلاق على الجليد وقد أدى ذلك التعارض فى الظروف الطبيعية إلى نوع من الديناميكة الاجتماعية التى تتمثل فى تغير ظروف وملامح وأنماط الحياة بين الفصول. ففى الشتاء يمارس الاسكيمو صيد الأسماك بوسائلهم التقليدية التى تحتاج إلى فن ومهارة وحذق وفى الصيف يمارسون نوعا آخر من النشاط الاقتصادى يتمثل فى قنص بعض الحيوانت وجمع النباتات. مما يجعلهم يعيشون فى فصل الشتاء بالقرب من البحر ومجارى المياه للحصول على الطعام وانعكس ذلك على نمط العلاقات الاجتماعية من حيث التجمع وما يصاحبه من ظهور الحياة والشعائر الدينية والتعاون الاقتصادى على عكس فصل الصيف حيث التفرق فى البقاع الداخلية للبحث عن النباتات و الحيوانات وانعكاس هذا على نمط حياتهم من حيث وجود الزمر الصغيرة ذات التشتت والتفتت الاجتماعى(7).
وعلى سبيل المثال فالاقتصاد يعتمد على دورة المال، فالنقود لابد أن تدور فى الأسواق فى شتى مناحى الأنشطة التجارية والزراعية والصناعية لتحقيق التنمية فى هذه المجالات.
    وفى ضوء ما تقدم ذكره يبين أن كل شئ فى الكون يدور فى حركة دائرية كحقيقة ملموسة أو رمزية.
    وقد يرجع ذلك لأهمية الدائرة كشكل رمزى فهى الرمز الهندسى الأكبرالأهمية والأكثر انتشارا(8) فى مختلف التخصصات البيولوجية والرياضية والاقتصادية والسياسية والنفسية والاجتماعية والثقافية.

    وقد عنى العلماء فى مختلف التخصصات كالرياضيات والبيولوجيا وعلم النفس والاجتماع والفلسفة بالدائرة والدورات، ولأهمية هذه الظاهرة فى المجتمعات والثقافات المختلفة مما جعلها تستحق الدراسة فكان هذا البحث الذى نحن بصدده لدراسة التصورات الشعبية للدائرة كرمز فى مجتمعين متمايزين وهما مصر والمغرب لما للدائرة كشكل ومضمون من مدلولات فى الجوانب الاجتماعية المختلفة ومحاولة التعرف على التصورات الشعبية لمجتمعى الدراسة لهذه المدلولات وعلاقتها بنسق الأفكار والمعتقدات السائدة فى المجتمع، وفرض علينا موضوع هذا البحث المدخل الرمزى الذى تكمن أهميته فى الاهتمام بالمضمون والوظيفة للتعرف من خلالهما على أفكار المجتمع ومعتقداته، فالرمزية أداة للفهم والادراك، وهى تعبر عن أهم المقومات السائدة فى المجتمع، كما تمثل الرموز الصيغ الأولية التى تساعد الانسان على معرفة الأشياء وترسيخ بعض المعانى فى الأذهان(9).
    واعتمدت الباحثة على المنهج الانثروبولوجى التقليدى (الملاحظة بالمعايشة) مع الاستعانة بالمقابلة والملاحظة. وقد استغرقت الدراسة الميدانية ما يقرب من ستة أشهر أثناء القيام بدراسات سابقة للمنطقة نفسها. واستغرقت الدراسة الميدانية فى مصر مايقرب من خمس شهور.
    ويرجع اختيارنا لمجتمع فاس بالمملكة العربية المغربية كمجال للدراسة الميدانية لما تم ملاحظته أثناء دراسات ميدانية سابقة من أهمية الدائرة كرمز فى النواحى الاجتماعية المختلفة.
    واذا كانت المشكلة التى تواجه الباحث الانثروبولوجى تكمن فى دراسة الرموز ومحاولة فهم نسق الافكار والمعتقدات التى تعبر عنها، والتأثيرات المرتبطة باستخدام بعض المفاهيم الرمزية(10)، فالمشكلة هنا تزداد تعقيدا فى الدراسة التى نحن بصددها ، فالرمز من حيث المعنى له مستويين مختلفين يتمثل الأول فى الرمز الذى نشير به إلى معان أخرى تختلف عن معناه الحقيقى، ويطلق على شئ مرئى ومستحضر فى الذهن شبيه هذا الشئ دون أن يظهر وانما يدرك بواسطة ارتباطه به(11) والمستوى الثانى أن يكون الرمز معنى لما ليس له معنى مباشر بل معناه الحقيقى هو فى ذاته رمزى كما هو فى الدائرة والمثلث والرقم (12) وهذا مايطلق عليه الرمز المجازى الذى يشبه مايرمز اليه وتكمن أهميته فى معناها الرمزى(13) .
    وعن الصعوبات التى واجهت الباحثة فى دراستها الميدانية عدم وعى مجتمع الدراسة بالعلاقة الجوهرية بين الفعل والشكل الرمزى الذى يؤدى فيه مما جعل كثيرا من الأفعال ذات الشكل الدائرى الرمزى ترجع فى حقيقتها إلى تمسك المجتمع بعاداته وتقاليده المتوارثة بصرف النظر عن محاولة الوقوف على الدلالة الرمزية لهذا الشكل.
    ولاشك أن الانسان حين تنتظمه بعض الرموز أو التكوينات الرمزية كما هو فى حلقات الذكر أو الطواف فإنه لا يكون دائما على وعى بمدلولات هذه الرمزية وهناك كثير من الأفعال أو التصرفات النمطية التى تصدر عن الانسان دون أن تكون ذات دلالة واضحة أو يستحضرها ذهنيا فى سلوكه مع أنه لو حاول الوصول إلى تفسير لهذه الظواهر لتسنى له فهمها والارتباط القوى بها وتحقيق الفائدة منها.
    ومن الواضح أن عمومية الدائرة كتكوين أو كشكل فى التجمعات المختلفة انما يتحقق بكونها الصورة التلقائية لأى تجمع ما سواء كان تجمع دينى أو علمى أو سياسى أو رياضى وهو ما نراه مثلا فى تجمعات الازهر فى مصر والقروين فى المغرب فى لقاءاتهم العلمية والدينية   ،كما عرفه أعضاء المائدة المستديرة فى لقاءاتهم السياسية وكذلك مختلف الفرق الرياضية والجلسات الاجتماعية كما سوف نوضح فيما بعد.
    والأمر الذى يساعد على وجود الشكل الدائرى فى مختلف التجمعات هو وحدة الهدف ومحاولة الوصول لهذا الهدف بطريقة مباشرة مع الشعور بالتجانس والقرب الاتصالى بين جميع أفراد الجماعة ، وهذا الأمر بذاته يتضح بجلاء فى تمركز أعضاء المجتمع حول مصدر مائى أو بئر بترولى أو مركزا للعمل ..الخ.
    والعلاقة بين الرمز والثقافة علاقة وطيدة يكتسب الرمز معانيه من الثقافات التى ينشأ فيها (14)
    فالدائرة فى الثقافة المغربية لها أهمية رمزية تفوق أهميتها فى الثقافة المصرية واتضح ذلك فى تعدد وجودها كشكل رمزى فى مختلف جوانب حياتهم على الرغم من الاختلاف من حيث المغزى والمدلول من جانب لآخر كما هو فى:-اشكال مساكنهم وأنماطهم المعيشية .
-       الشعائر والطقوس المرتبطة بإحتفالاتهم فى المناسبات المختلفة
-       الطقوس المتبعة فى التعامل مع العالم الغيبى (الروحى) .
    ولقد تناولت هذه الدراسة التصور الشعبى لهذه الابعاد الثلاث فى المجتمع المغربى مع مقارنة هذا التصور وما يماثله فى المجتمع المصرى .
أهم نتائج البحث : 
    لقد أظهر البحث أهمية كبيرة للدائرة فى علاقتها بالمركز والعلاقة بينهما علاقة مزدوجة تشمل علاقة الدائرة بالمركز وعلاقة المركز بالدائرة فالمركز أساس الدائرة و هو بمثابة الهدف والغاية من ناحية، والمقدس من ناحية أخرى لذلك يرمز المركز العظمة والأهمية والهيبة. أما علاقة الدائرة بالمركز  فهى بمثابة تقدير وتبجيل واحترام  وتقديس واحتياج.
    ومما لاشك فيه الميل لاضفاء الروح الاسلامية على بعض الممارسات الشعبية الخاصة بالشكل الدائرى وتمثل ذلك فى وضوح بالحرص على الالتزام بالطواف سبع مرات حول المقدس أو الشىء الذى يلتمسون حلول البركة فيه كما هو فى الطواف بأشياء العروس قبل نقلها بيت الزوجية. وكذلك طواف العروس والعريس حول مقام أو ضريح الولى قبل الذهاب لبيت الزوجية، بالاضافة الى طواف المريضة فى حجرة خاوية لدى الفقيه المغربى وطواف المريضة حول الكرسى فى الزار...الخ. والى جانب ذلك بعض الممارسات ذات الطواف دون الالتزام بالعدد كطواف حول الأشجار والنار كما سبق وذكرنا و كذلك الطواف عكس اتجاه الشمس للتحكم فى الرياح.
    والذى أظهره البحث انعكاس هذا الشكل الدائرى فى ثباته أو حركته على كثير من أنماط الحياة المعيشية لما للدائرة من معان مجتمعة سامية ( كالتجانس والتضامن والتالف والمحبة ولما الشكل الدائرة من معان روحية عالية ( كالبركة، المقدس، التبجيل، والاحترام).












ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق